إنتشرت على بعض الفضائيات إعلانات عن حملة لجمع مليون صلاة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أن يبعث من أراد الإشتراك رسالة مكتوبا فيها اسم محمد على الأرقام التي تظهر على الشاشة.
الصلاة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الأمور التعبدية التي لا مراء فيها، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة: هل يجوز التربح من الأمور التعبدية؟
وهل هناك شبهة مباهاة في هذا الأمر؟ وهل هناك تعارض بين هذا الأمر والآية القرآنية الكريمة: {قل لا أسألكم عليه من أجر} [الأنعام:90].
طرحنا هذه التساؤلات على علماء الدين حتى نستطلع رأيهم في هذا الأمر، فقال الدكتور رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة، وعضو هيئة كبار العلماء: ما جاء فى إحدى الفضائيات، حول الاعلان عن حملة لجمع مليون صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن يبعث من أراد الإشتراك فى هذه الحملة برسالة مكتوب فيها اسم محمد على الأرقام التى تظهر على الشاشة، موضحا وجهة إعتراضه على هذه الوسيلة، من ناحيتين:
الأولى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يذكر اسمه والصلاة والتسليم عليه، الا فى مقام بعيد عن اى شبهة، بل ان المطلوب عند التعبد بالصلاة والتسليم عليه ان يكون بعيدا عما يقترب من المباهاة.
الثانية: فتتمثل فى ان هذه الوسيلة، يستشعر منها انها وسيلة تجارية، الغرض منها، جمع المال بوسيلة تعبدية محببة الى قلوب كل المسلمين، وهى الصلاة والتسليم على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فالذى يتصل بالتليفون أو إرسال رسالة بواسطة الأرقام المعلن عنها، بلا شك يتكلف قيمة هذه المكالمة أو الرسالة، فمن المتصور ان تكون هذه الوسيلة، مقاسمة، فى أسعار المكالمات أو الرسائل التى يتصل أو يبعث بها اصحابها من الجمهور، مع شركات الإتصال المختلفة، ولهذا فإننى أرفض هذه الوسيلة، لأن الظاهر منها أنها عمل تجارى، وليس عملا تعبديا.
وأضاف: أن الوصول إلى مكسب شخصى عن طريق أداء الناس لعبادة ما، ممنوع ومرفوض شرعا، ولا أتصور إطلاقا أن أستفيد أنا ماديا من أداء الناس -مثلا- لصلاة الصبح، أو الترأويح، أو قراءة القرآن الكريم، وهكذا الأمر فى الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصلاة على الرسول لابد ان تكون مبرأة من أى مكسب مادى، يرجع الى أى جهة أو فرد من الأفراد، وهكذا الشأن فى كل عمل تعبدى المقصود منه التقرب الى الله عز وجل.
¤ بدعـة دينـية:
وفى سياق متصل، أكد الدكتور نبيل السمالوطى، أستاذ علم الإجتماع بجامعة الأزهر، أن وجود قناة فضائية لحث الناس على الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر جيد، لأن الصلاة على الرسول واجبة، يقول الله تعالى فى كتابه الكريم: {إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب:56]، ويقول الرسول الكريم «من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا»، فلا شك ان من يدعو الى هذه الغاية فهو مشكور، لكن عملية إرسال رسالة من التليفون المحمول، عليها اسم محمد- وبالطبع هذه الرسالة ليست مجانية- فهذه بدعة دينية ودنيوية، فعندما يقوم المسلم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانه ليس محتاجا الى إرسال رسائل أو الإتصال تليفونيا.
وأشار الى ان مثل هذه الوسائل، شكل من أشكال الإبتزاز المالى للناس، وهو إستغلال بإسم الدين يرفضه الشرع والعرف والعقل، كما انه يعد توظيفا للدين فى الحصول على اموال الناس بالباطل، التى أمر الاسلام بالمحافظة عليها، ومثل هذه الامور لم تحدث فى اى مرحلة على مدى تاريخ الدعوة الاسلامية، التى يزيد عمرها الآن على أكثر من اربعة عشر قرنا من الزمان، فالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بين العبد وربه، وايضا بين العبد والرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر الرسول المعصوم فى الحديث الشريف «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله على روحى حتى أرد عليه السلام»، موضحا ان عملية التلاعب بإسم الدين فى السياسة أو الإقتصاد أو التجارة، هى من الناحية الشرعية والدينية أمر مرفوض، لانها نوع من أنواع اكل الناس بالباطل.
وأكد ان إستغلال العاطفة الدينية المتأججة فى قلوب المسلمين سواء فى حب الله تعالى أو فى حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتحقيق اهداف إقتصادية أو تجارية أو سياسية غير مشروعة، لا يجوز شرعا، خاصة فى ظل مجتمعات تتفشى فيها الامية الدينية بنسبة 80% حتى بين خريجى الجامعات، والذى يفعل ذلك ويجارى تلك الإعلانات إبتغاء للشهرة، فمتروك أمره الى الله تعالى، فالعبرة فى النهاية بالنيات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات وانما لكل امرء ما نوى»، مشيرا الى ان تذكير الناس وحثهم على الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر لايحتاج الى مثل هذه الوسائل، ولكن يكفى ان يقوم داعية أو عالم جليل بهذه المهمة فى اى مكان، وفى كل وقت، عبر أى وسيلة إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، وقد قال الله تعالى فى قرآنه الكريم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125].
الكاتب: خالد المطعنى.
المصدر: الأهرام اليومى.